Thursday, September 20, 2007

مقامة القرضاوي

مقامة القرضاوي
مقامة أدبية متواضعة, كتبتها و (أهديها) إلي شيخنا الفاضل د. يوسف القرضاوي
بعد أن منّ الله عليه بالشفاء من الوعكة الصحية التي ألمت به



(يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا)


قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي *** فقمت أنشد أشواقي و ألطافي
لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا *** فهو الغفور لزلاتي و اسرافي
عفـوا لك الله قد أحببت طلعتكم *** لأنها ذكرتي سير أســـــــــلافي
يفديك من جعل الدنيا رسالته *** من كل أمثاله تفــــــــــــــدى بآلاف ـ1ـ

يلومني القاصي و الداني, لحب الشيخ القرضاوي! فقلت:ـ
إن شيخي نجم بازغ من بين حجب, و بدر مطل من بين سحب, عالِم في الإفتاء, دائم الارتقاء, من ابتلى الله فكره بداء, فعليه بكتبه, فهي له نعم الدواء ـ
هل يلومونني إذا تعـلـّّقت بفقه الحلال و الحرام, هو من بين الكتب, كحور مقصورات في الخيام ـ
أم يلومونني بتقلدي فقه الأقليات, أو فقه الأولويات, وجعلها منهجا ذا خطوات, في عصر التعقيد و المتاهات؟
أمّا فقه الزكاة: فهو مستعيرا جمالا من النيل, و عذوبةً من الفرات ـ
نفضَ شيخنا كتب التراث, و قرأ بلا تذمر و باكتراث, فخرج إلينا بفكر جديد, و عمل فريد, و لم يلتفت لهجاء أو ثناء, فصارت كلمته: (أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِى السَّمآءِ)ـ
إمامنا القرضاوي, ذاق مرارة الاعتقال و التعذيب, و هو العالم الأديب, و الشيخ الأريب, فاتــّـقى الله و صبر, و احتسب بلا ضجر, و عمل مخلصا للرب, خوفا من يوم العرض, فأكرمه الله: (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ)ـ

يدع الجواب فلا يراجع هيبة *** و السائلون نواكس الأذقان
أدب الوقار و عز سلطان التقى *** فهو المطاع و ليس ذا سلطان

علــّمنا فقه الوسطية, برحابة صدر و أريحية, و أخرج إلينا مكنونات هذا الدين, من حسن تعامل و لين, في عصر طـَعِم فيه المسلمين, فقهٍ أصدأ من الغسلين ـ
شرح الله صدره, و هدى قلبه, فخرج إلينا بكتب الصحوة, التي لم تترك في ديننا أي فجوة ـ
للشيخ كتب عِظام, و سلاسل فكرية خطتها أنامل إمام, واقرأ إن شئت سلسة: نحو وحدة فكرية للعاملين في الإسلام
و لأن همّ الشيخ القرضاوي, إرضاء الخالق الباري, فكانت هناك سلسلة: حتميـّة الحل الإسلامي
واصل عمله بكل همّة, فأهدى لنا سلسة: فقه السلوك في ضوء القرآن و السنة
أما عن سلسلة: عقائد الإسلام, فهي كذلك للفارس الهمّام, فاعتلى بها أعلى مقام, فهل بحبه نلام؟
من عاصر عصر العلل, وأخذه ضيق و مَلل, و اختلاف في المِلل و النـِّـحل, فعليه بكتاب: أين الخلل
كتابه فقه الزكاة جزءان, هو كالماء للظمآن, و فتاواه فيها, كطيور على أغصان, نشتاق إليه في كثير من الأحيان, فاشتاقت له جنة الرحمن, و رزقه فيها نخل و رمان, و من كل فاكهة زوجان, و أكرمه بروح و ريحان, و رب راض غير غضبان ـ
كتاب ظاهرة الغلو في التكفير, جعل كثير منا يعيد التفكير, في مسائل جسام, قد تخرج صاحبها من دائرة الإسلام ـ
هنيئا لك يا شيخنا هذه المحصّـلة, فهي خفيفة ميسّرة, و للفردوس موصّـلة, تشفع لصاحبها في قبره, فهنيئا له مرضاة ربه. ذكرت قليلا منها و يسير, حتى لا أثقل على القارئ, لأن منهج شيخنا التيسير, و نبذ التعنت و التعسير, و صدق الصادق المصدوق, طبيب القلوب, و الذي في حبه
تذوب: (يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا ،‏ و بَشِّرُوا و لاَ تُنَفِّرُوا)ـ
نشأ شيخنا في أسرة فقيرة, و في ظروف عسيرة, توفي أبواه و هو في العمر صغير, فأصبح ذلك القلب الكسير, قويا لا يخاف في الله لومة لائم, مدافعا عن دينه قاعدا أو قائم ـ
تتلمذ منذ نعومة أظفاره في الكتـّاب, فتعلم فقه الكِتاب, و فهم فحوى الخطاب, فرأينا منه العجب العجاب, لكل سؤال جواب, و فكر يحمل في ثناياه العِذاب, لاح لنا في سماء الجهل كشهاب, و إلتحق في شبابه بمدرسة الإخوان, فـَحـَسُـن الإنتساب ـ
عرف عنه حسن الالتزام, و النشاط و الانتظام, و الشجاعة و الإقدام, و كان من بين الإخوان, متميز بقوة الإيمان, و العفو و الإحسان, كيف لا و قد تتلمذ على يد الإمام البنا, رزقنا الله مرافقته في الجنـّـة ـ
أسند إليه الإمام البنا مهمّـات كثيرة, و ناب عنه في سفرات طويلة و قصيرة, فحسن ما فعل الإمام, لحسن اختيار الداعية المقدام, الذي نشر دعوة الحق بإتقان, لِما وقر في قلبه من إيمان ـ
اعتقل الشيخ إلى سجن الطور, فكان هو و إخوانه كملائكة في البيت المعمور, يذكرون الله و يسبحونه, يرجون رحمته و يخافونه, و البعض منهم نال شرف الشهادة, و هل هناك أفضل من تلك العبادة؟
هذه بداية حياة شيخنا باختصار, فهي مليئة بالعزم و الإصرار, فما غيّره نهجه وما فتر, في ذلك العهد الأغبر, عصر جمال و السادات, فبقى هو, و تحطموا هم, كما تحطمت العزّى و اللاّت ـ
محبي الشيخ كثر, لأن علمه بحر بلا قعر, و ما عرف عنه عسر, فبنى بيننا و بينه من المحبة جسر. لو نظرنا من حولنا, في شرقنا و غربنا, ما سمعنا إلا: (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا)ـ

إن قام سوق العلم فهو كمالك *** أو مدّ باع الزهد فالشيباني
أو غاص في التفسير قلت مجاهد *** و الفقه و التعليم كالنعمان
و إذا تزاحمت الوفود فحاتم *** و كأحنف في الحلم و الغفران

و لم يسلم الشيخ من ذئاب الحاسدين, و المتقولين عليه و الكاذبين, ممن فاح منهم رائحة الخبث واللؤم, لكنّ جوابه لهم: (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)ـ

إن صوّروك فإنما صوّروا *** تاج الفخار و مطلع الأنوار
أو نقصوك فإنما نقصوا *** دين النبي محمد المختار
لا تجزعن فلست أول ماجد *** كذبت عليه صحائف الفجار
سخروا من الفضل الذي أوتيته *** و الله يسخر منهم في النارـ
نسأل الله أن يمتعنا بعمره, و يفيدنا بعلمة, و أن لا يحرمنا أجره, و أن يغفر لذنبنا و ذنبه
-------------------------
(1,2) شعر الدكتور عائض القرني

3 comments:

wafa'a said...
This comment has been removed by the author.
wafa'a said...

لست ادري على ماذا أعلق أولاً .. على الشيخ يوسف القرضاوي أم على المقامة الادبية هذه؟

فقط أود أن أقول ان القرضاوي مثالاً طيباً في مواجهة الخصوم !

و كأنه يتمثل لأبيات هو كاتبها ..

لن تستطيع حصار فكري ساعةً
أو نزع إيماني ونور يقيني

فالنور في قلبي وقلبي في يديْ
ربّي .. وربّي ناصري ومعيني

سأعيش معتصماً بحبل عقيدتي
وأموت مبتسماً ليحيا ديني

وفقه الله لخدمة الإسلام و العمل من أجل الإسلام ..

___________

أما عن المقامة الأدبية فهي جميلة كما ذكرت.. أعتقد بأنك " شجعتني " لإعادة صياغة ما كتبت عن الإمام حسن البناو إجراء بعض التعديلات الأدبية عليه
..فجزاك الله خيراً .. أولاً على إمتاعنا بهكذا أدب.. و ثانياً على تشجيعك من حيث لا تدري لنا :)


موفق

Brilliant said...

Loyalty أختي المتميزة
شكرا جزيلا على متابعتك و تعليقك الجميل... و نحن بإنتظار مقالاتك الشيقة و القيمة
أطيب التحيات
:)